
في الماضي، وبالتحديد في العصر الحجري القديم، كان كل الطلبة المهرجلين من أولاد الابتدائي والثانوي العام يجلدون بالسياط ، حتى بنات الابتدائي والثانوي المهرجلات كن يضربن بالمسطرة والخرطوش!! عندما كنا تلاميذ في مدرسة السكة حديد الابتدائية ومدرسة التجاني الشعبية الثانوية العامة بمدينة كوستي الكائنة في وسط السودان، كانت الهرجلة ، أي الكلام واللعب داخل الفصل أثناء الحصص أو بين الحصص، تعتبر مخالفة خطيرة تستوجب الجلد بسوط العنج (العنج هو البقر الكبير الحجم الذي يرعى بحرية وبلا قيود في غرب السودان وجنوب السودان وتكون ذيوله طويلة، قوية ومفتولة إلى أبعد الحدود!!)
كان الألفه، الذي يعينه أبو الفصل ، يُعتبر مثل ضابط سجن بالنسبة للمساجين!! وكان معظم الطلبة يهابون الألفة خوفاً من أن يقوم بتسجيلهم في ورقته كمهرجلين ومن ثم يتم جلدهم جلد غرائب الإبل من قبل الاستاذ
بالنسبة للمهرجلين وتحمل الجلد كان التلاميذ ثلاثة أنواع فقط لا غير : النوع الأول: الجرسة، الذي لا يتحمل الجلد ويصرخ ويبكي ويفرفر ، وكان الاستاذ الجالد يصيح : أربعة منو ، يطيرو جنو!! وما إن يقول الاستاذ تلك الجملة حتى يندفع أربعة من الطلبة الأشداء العتاولة ويقومون بمسك الطالب الجرسة من يديه ورجليه ورفعه في الهواء ليتم جلده وسط صرخاته وضحكات بعض الطلبة والمعلمين!! النوع الثاني : المحتال ، وهو الذي يدبل الأردية أو يضع الكركاسات ، ويثبت للجلد وفي الواقع فإن الذي يتحمل الجلد هو الرداء المدبل أو الكركاسة المخفية وليس المجلود المحتال!! النوع الثالث : حمير الجلد أو حمير السوط، وكنت أنا واحد منهم، هؤلاء كانوا يتحملون الجلد ولا يتحركون ولا يتأوهون وكأنهم نوع خاص من الحمير البشرية
ذات يوم ، وفي مدرسة التجاني الشعبية الثانوية العامة، تم تعيين صديقي عبد الله ، وهو من أولاد النوبة، الفه بصورة مؤقتة بسبب مرض وتغيب الالفه الاصلي، فاعتقدت أنها فرصة سانحة للهرجلة لكن صديقي عبد الله سجلني مهرجل! ولما زودتها حبة سجلني مهرجل عاصي!! ولما زودتها حبتين سجلني مهرجل عاصي جداً جداً!!! تم جلدي عشرة جلدات بسبب تلك الهرجلة التاريخية ، فعدت للفصل غاضباً وركلت الباب بقوة ، جرى عبدالله وأخبر الاستاذ بفعلتي ، فاستدعاني الاستاذ وجلدني عشرة جلدات أخرى!! ذهبت للفصل وركلت الباب مرة ثانية بقوة أكبر، فجرى عبدالله وأخبر الاستاذ فجلدني عشرة جلدات أخرى!!! في المرة الثالثة عدت للفصل وركلت الباب ركلة عنيفة حتى كاد الباب ينخلع وعندما أراد عبدالله أن يجري ليبلغ الاستاذ منعه بعض الطلبة ولو لم يتم منع الالفه عبد الله من التبليغ لكنت أركل الباب وأجلد كل مرة عشرة جلدات حتى تاريخ اليوم
قبل عدة سنوات، سألت أولادي سامي وسارة ، وكانا طالبين بالصف السابع بالمدرسة الانجليزية الحديثة بالدوحة ، عن الهرجلة وعقابها في العصر الحديث، قالا لي إن المعلم يُخرج المهرجل من الفصل لمدة عشرة دقائق ، وإذا كرر الهرجلة يُطلب منه إحضار ولي أمره وإذا زودها حبتين يُفصل من المدرسة وعندما سألتهما هل سبق أن عوقبتم بسبب الهرجلة ، قالا لي بصوت واحد: لم نهرجل أبداً ولم نعاقب مطلقاً!! شعرت بدهشة مركبة مكونة من مائة وخمسين طابق ولم أفهم كيف لا يهرجل الطالب لمدة سبعة سنوات متواصلة لكنني صدقتهما في النهاية فتقاريرهما المدرسية السنوية تكاد تقول إنهما الطالبان الأكثر هدوءاً وتهذيباً في المدرسة وربما في كل العالم!! عندما حكيت لهما حكايتي مع الهرجلة في العصر الحجري القديم ومواجهتي مع صديقي الالفه عبد الله وخبطي المتواصل لباب الفصل وجلدي بالجملة والقطاعي ضحكا بشدة، وعلّق سامي قائلاً : ثلاثون جلدة!! يا إلهي!!! لقد كنت أكبر أحمق في العالم في ذلك الوقت!! قلت له وأنا أضحك: وربما ما زلت أكبر أحمق في العالم حتى تاريخ اليوم
فيصل علي الدابي\المحامي
Leave a Reply